الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ويعلم من الوجه الأول وجه تخصيص التخير بالفاكهة والاشتهاء باللحم، وفيه إشارة إلى أن الفاكهة لم تزل حاضرة عندهم وبمرأى منهم دون اللحم ووجه ذلك أنها مما تلذه الأعين دونه، وقيل: وجه التخصيص كثرة أنواع الفاكهة واختلاف طعومها وألوانها وأشكالها وعدم كون اللحم كذلك، وفي التعبير بيتخيرون دون يختارون وإن تقاربا معنى إشارة لمكان صيغة التفعل إلى أنهم يأخذون ما يكون منها في نهاية الكمال وأنهم في غاية الغنى عنها، والله تعالى أعلم بأسرار كلامه.{وَحُورٌ عِينٌ} عطف على {ولدان} [الواقعة: 17] أو على الضمير المستكن في {مُتَّكِئِينَ} [الواقعة: 16] أو على مبتدأ حذف هو وخبره أي لهم هذا كل {وَحُورٌ} أو مبتدأ حذف خبره أي لهم، أو فيها حور، وتعقب الوجه الأول بأن الطواف لا يناسب حالهن، وأجيب بأنه لا يبعد أن يكون من الحور ما ليس بمقصورات في الخيام ولا مخدرات هن كالخدم لهن لا يبالي بطوافهن ولا ينكر ذلك عليهن، وأن الطواف في الخيام أنفسها وهو لا ينافي كونهن مقصورات فيها، أو أن العطف على معنى لهم {ولدان وَحُورٌ} والثاني بأنه خلاف الظاهر جدًا، والثالث بكثرة الحذف، و{عِينٌ} جمع عيناء وأصله عين على فعل كما تقول حمراء وحمر فكسرت العين لئلا تنقلب الياء واوًا، وليس في كلام العرب ياءًا ساكنة قبلها ضمة كما أنه ليس فيه واو ساكنة قبلها كسرة.وقرأ السلمي، والحسن، وعمرو بن عبيد، وأبو جعفر، وشيبة، والأعمش، وطلحة والمفضل، وأبان، وعصمة عن عاصم، وحمزة، والكسائي {وَحُورٌ عِينٌ} بالجر.وقرأ النخعي كذلك إلا أنه قلب الواو ياءًا والضمة قبلها كسرة في {حُورٌ} فقال: وحير على الاتباع لعين وخرج على العطف على {جنات النعيم} [الواقعة: 12] وفيه مضاف محذوف كأنه قيل: هم في جنات وفاكهة ولحم ومصاحبة حور على تشبيه مصاحبة الحور بالظرف على نهج الاستعارة المكنية، وقرينتها التخييلية إثبات معنى الظرفية بكلمة {فِى} فهي باقية على معناها الحقيقي ولا جمع بين الحقيقة والمجاز، وذهب إلى العطف المذكور الزمخشري، وتعقبه أبو حيان فقال: فيه بعد وتفكيك كلام مرتبط بعضه ببعض، وهو فهم أعجمي وليس كما قال كما لا يخفي أو على {أكواب} [الواقعة: 18] ويجعل من باب متقلدًا سفيًا ورمحًا كما سمعت آنفا فكأنه قيل: ينعمون بأكواب وبحور، وجوز أن يبقى على ظاهره المعروف، وأن الولدان يطوفون عليهم بالحور أيضًا لعرض أنواع اللذات عليهم من المأكول والمشروب والمنكوح كما تأتي الخدام بالسراري للملوك ويعرضوهن عليهم، وإلى هذا ذهب أبو عمر وقطرب، وأبى ذلك صاحب الكشف فقال: أما العطف على {الولدان} [الواقعة: 17] على الظاهر فلا لأن الولدان لا يطوفون بهن طوافهم بالأكواب، والقلب إلى هذا أميل إلا أن يكون هناك أثر يدل على خلافه، وكون الجر للجوار يأباه الفصل أو يضعفه.وقرأ أبيّ وعبد الله {وحورًا عينًا} بالنصب، وخرج على العطف على محل {مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ} لأن المعنى يعطون أكوابًا وحورًا على أنه مفعول به لمحذوف أي ويعطون حورًا أو على العطف على محذوف وقع مفعولًا به لمحذوف أيضًا أي يعطون هذا كله وحورًا، وقرأ قتادة {وَحُورٌ} بالرفع مضافًا إلى {عِينٌ}، وابن مقسم {وَحُورٌ} بالنصب مضافًا، وعكرمة وحوراء عيناء على التوحيد اسم جنس وبفتح الهمزة فيهما فاحتمل الجر والنصب.{كأمثال اللؤلؤ المكنون} أي في الصفاء، وقيد بالمكنون أي المستور بما يحفظه لأنه أصفى وأبعد من التغير، وفي الحديث صفاؤهن كصفاء الدر الذي لا تمسه الأيدي، ووصف الحسنات بذلك شائع في العرب، ومنه قوله:
والجار والمجرور في موضع الصفة لحور، أو الحال، والاتيان بالكاف للمبالغة في التشبيه، ولعل الأمر عليه نحو زيد قمر.{جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} مفعول له لفعل محذوف أي يفعل بهم ذلك كله جزاءًا بأعمالهم أو بالذي استمروا على عمله أو هو مصدر مؤكد أي يجزون جزاء.{لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} ما لا يعتد به من الكلام وهو الذي يورد لا عن روية وفكر فيجري مجرى اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطير وقد يسمى كل كلام قبيح لغوًا {وَلاَ تَأْثِيمًا} أي ولا نسبة إلى الإثم أي لا يقال لهم أثمتم.وعن ابن عباس كما أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم تفسيره بالكذب، وأخرجه هناد عن الضحاك وهو من المجاز كما لا يخفى والكلام من باب: {إِلاَّ قِيلًا} أي قولا فهو مصدر مثله {سلاما سلاما} بدل من {قِيلًا} كقوله تعالى: {لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلاَّ سلاما} [مريم: 62] وقال الزجاج: هو صفة له بتأويله بالمشتق أي سالمًا من هذه العيوب أو مفعوله، والمراد لفظه فلذا جاز وقوعه مفعولًا للقول مع إفراده، والمعنى إلا أن يقول بعضهم لبعض {سَلاَمًا}، وقيل: هو مصدر لفعل مقدر من لفظه وهو مقول القول ومفعوله حينئذ أي نسلم سلامًا، والتكرير للدلالة على فشو السلام وكثرته فيما بينهم لأن المراد سلامًا بعد سلام، والاستثناء منقطع وهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم محتمل لأن يكون من الضرب الأول منه، وهو أن يستثنى من ضفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح له بتقدير دخولها فيها بأن يقدر السلام هنا داخلًا فيما قبل فيفيد التأكيد من وجهين، وأن يكون من الضرب الثاني منه وهو أن يثبت لشيء صفة مدح ويعقب بأداة استثناء يليها صفة مدح أخرى بأن لا يقدر ذلك، ويجعل الاستثناء من أصله منقطعًا فيفيد التأكيد من وجه، ولولا ذكر التئثيم على ما قاله السعد جاز جعل الاستثناء متصلا حقيقية لأن معنى السلام الدعاء بالسلامة وأهل الجنة أغنياء عن ذلك فكان ظاهره من قبيل اللغو وفضول الكلام لولا ما فيه من فائدة الإكرام، وإنما منع التأثيم الذي هو النسبة إلى الإثم لأنه لا يمكن جعل السلام من قبيله وليس لك في الكلام أن تذكر متعددين ثم تأتي بالاستثناء المتصل من الأول مثل أن تقول: ما جاء من رجل ولا امرأة إلا زيدًا ولو قصدت ذلك كان الواجب أن تؤخر ذكر الرجل، وقرئ {سلام سلام} بالرفع على الحاكية. اهـ.
بتقدير: وكَحَّلْن العيون، أو يعطف على {جنات}، أي وفي حور عين، أي هم في حور عين أو محاطون بهن ومحدقون بهن.والمراد: أزواج السابقين في الجنة وهن المقصورات في الخيام.والأمثال: الأشباه.ودخول كاف التشبيه على (أمثال) للتأكيد مثل قوله تعالى:
|